قوة العادات: كيف تُشكل عاداتنا حياتنا وكيف يمكننا تغييرها؟
يعد كتاب “قوة العادات” للمؤلف تشارلز دوهيج من الكتب المؤثرة التي تناولت موضوع العادات وتأثيرها الكبير في حياة الإنسان. يقدم الكتاب فهماً عميقاً حول كيفية تشكيل العادات في حياتنا اليومية، وكيف يمكننا التحكم فيها لتغيير سلوكياتنا وتحقيق النجاح الشخصي والمهني. يتناول دوهيج في كتابه فكرة أن العادات هي القاعدة الأساسية التي تقوم عليها معظم تصرفاتنا في الحياة، وأنها تمثل أكثر من نصف الأنشطة التي نقوم بها يومياً، مما يجعل فهم العادات وتغييرها مفتاحاً لتحسين الحياة.
مفهوم العادة: ما هي العادة؟
العادة هي سلوك مكرر يتم تنفيذه بشكل تلقائي نتيجة للتكرار والممارسة المستمرة. من خلال العادات، يصبح لدينا القدرة على إتمام مهام دون الحاجة إلى التفكير فيها بشكل كامل. العادة تُبنى على آلية بسيطة وهي: الإشارة، الروتين، المكافأة. يتسم هذا النظام بتكرار مستمر حتى يصبح سلوكاً تلقائيًا لا يتطلب جهدًا فكريًا كبيرًا. مثلًا، عندما نشعر بالتعب، قد تكون العادة أن نبحث عن الطعام غير الصحي كطريقة لتحفيز أنفسنا. وبنفس الطريقة، يمكن أن نطور عادات صحية من خلال استبدال العادات السلبية بأخرى إيجابية.
العادات في الدماغ: كيف تُشكّل؟
يناقش دوهيج في كتابه كيف أن الدماغ البشري يفضل تنفيذ الأنشطة التي تكون مبنية على العادات، كونها توفر الكثير من الطاقة الذهنية. في هذا السياق، تُعتبر العادات “مسارات مريحة” في الدماغ تُساعد في توفير جهد التفكير المعقد. لكن بمجرد أن يصبح السلوك عادة، يصبح الدماغ أقل نشاطًا في تنفيذه، ويؤدي ذلك إلى إطلاق مشاعر الراحة والسرور بمجرد إتمام السلوك.
واحدة من أهم أجزاء الدماغ المرتبطة بتشكيل العادات هي النواة المذنبة، وهي منطقة مسؤولة عن التعلم، والذاكرة، والتحكم في الحركة. عندما يتم تكرار سلوك ما بشكل مستمر، يصبح هذا السلوك جزءًا من دائرة متكاملة تشمل تحفيز الدماغ، مما يعزز إحساس الشخص بالراحة عند إتمام هذا السلوك.
الأنماط الثلاثة للعادة: الإشارة، الروتين، والمكافأة
العادات، كما يشرح دوهيج، تتكون من ثلاثة عناصر رئيسية:
-
الإشارة: وهي المحفز أو العامل الذي يبدأ الحلقة. قد تكون الإشارة بسيطة مثل الساعة التي تشير إلى وقت النوم أو الشعور بالجوع.
-
الروتين: هو السلوك الذي نؤديه بعد تلقي الإشارة. على سبيل المثال، إذا كانت الإشارة هي الشعور بالتعب، قد يكون الروتين هو تناول وجبة خفيفة غير صحية.
-
المكافأة: هي الشعور الذي نحصل عليه بعد أداء الروتين. يمكن أن تكون المكافأة عبارة عن مشاعر إيجابية أو تحسين في الحالة المزاجية أو مجرد الإحساس بالراحة.
تكرار هذه الحلقة يعزز من قوة العادة ويجعلها تترسخ في دماغنا حتى تصبح جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية.
تغيير العادات: كيف يمكننا فعل ذلك؟
من خلال فهم دورة العادة، يمكننا تغيير العادات السلبية إلى أخرى إيجابية. لا يعني ذلك التخلص من العادات تمامًا، بل استبدال الروتين الحالي بروتين آخر يُحقق نفس المكافأة، لكنه يساهم في تحسين حياتنا. إليك بعض الخطوات الأساسية التي يقترحها دوهيج لتغيير العادات:
-
التعرف على الإشارة: لكي نتمكن من تغيير عادة، يجب أن نحدد الإشارة التي تبدأ الحلقة. هل هي الخوف؟ الملل؟ التعب؟
-
الاحتفاظ بالمكافأة: من المهم أن نعرف ما الذي نبحث عنه في المكافأة، لأننا بحاجة إلى إيجاد بديلاً للروتين السابق الذي يحقق نفس الفائدة. إذا كانت المكافأة هي الراحة النفسية، فقد يتمكن الشخص من استبدال العادة السيئة بشيء صحي يساعده في التخلص من التوتر أو الإرهاق.
-
إيجاد روتين جديد: بعد تحديد الإشارة والمكافأة، يجب استبدال الروتين السلوكي بروتين جديد يُؤدي إلى نفس المكافأة لكن بطريقة أفضل. إذا كانت العادة هي تناول الأطعمة غير الصحية عند الشعور بالتعب، يمكن استبدالها بشرب الماء أو تناول وجبة خفيفة صحية.
العادات في حياتنا المهنية: كيف تؤثر العادات على العمل؟
يؤثر مفهوم العادات بشكل كبير في أداء الأفراد في بيئات العمل. فالعادات لا تقتصر على حياتنا الشخصية، بل تتداخل بشكل مباشر مع سلوكنا المهني أيضًا. من خلال تقوية العادات الإنتاجية، يمكن للموظف أو المدير أن يحسن من أدائه بشكل ملحوظ.
أحد الأمثلة على ذلك هو العادة في التقييم والتخطيط. من خلال تعزيز عادة التخطيط بشكل دوري، سواء كان ذلك بشكل يومي أو أسبوعي، يمكن للفرد أن يصبح أكثر إنتاجية وتنظيمًا في عمله. بالنسبة للقادة في الشركات، فإنهم يوجهون موظفيهم إلى تبني عادات إيجابية من خلال وضع توقعات واضحة ومتابعة مستمرة لتحقيق الأهداف.
التركيز على التغيير التدريجي:
من المفاهيم المهمة التي يبرزها دوهيج في كتابه هو أن تغيير العادات يجب أن يتم بشكل تدريجي، وليس دفعة واحدة. يقول دوهيج: “إن التحولات الصغيرة والمستمرة تؤدي إلى تغييرات جذرية في النهاية.” ولذلك، لا يجب على الأفراد أن يتوقعوا نتائج سريعة وفورية، بل يجب أن يكون لديهم صبر وتفاني في تطبيق التغييرات بشكل مستمر.
العادات المجتمعية وتأثيرها على الفرد:
إحدى النقاط المثيرة التي يطرحها دوهيج هي كيفية تأثير العادات المجتمعية أو الجماعية على الأفراد. فمن خلال تشكيل عادات جماعية، يمكن لمجموعة من الأفراد أن تخلق بيئة تدعم وتُعزز بعض السلوكيات. على سبيل المثال، في بيئة العمل، يمكن أن تنتشر العادات الصحية، مثل الاجتماعات المنتظمة للتخطيط والتقييم، في حال تم تبنيها من قبل مجموعة من الأفراد. هذا النوع من العادات يعزز الأداء العام ويساهم في نمو الفريق ككل.
العادات السلبية وكيفية التغلب عليها
العادات السلبية قد تكون واحدة من أكبر العوائق التي تقف في طريق النجاح والتحقيق الشخصي. قد يكون لدينا عادات مثل تأجيل الأعمال، أو تناول الأطعمة غير الصحية، أو فقدان التركيز أثناء العمل. يشير دوهيج إلى أن العادات السلبية، على الرغم من كونها سلوكيات غير مفيدة، إلا أنها لا تزال تؤدي نفس دورة الإشارة-الروتين-المكافأة. وبالتالي، يمكننا تغيير هذه العادات السلبية إذا تمكنا من تعديل الحلقة نفسها.
من خلال استبدال الروتين السلبي بروتين مفيد، مثل التمرين البدني أو الاهتمام بالتغذية الجيدة، يمكننا الاستمرار في الحصول على نفس المكافأة (الراحة النفسية أو الشعور بالتحسن)، ولكن بشكل إيجابي.
الختام
في النهاية، يعد كتاب “قوة العادات” بمثابة دليل شامل يساعد الأفراد على فهم كيفية تأثير العادات في حياتهم وكيفية تغيير هذه العادات لتحقيق النجاح الشخصي والمهني. من خلال استكشاف الأنماط التي تحدد سلوكياتنا اليومية، يمكننا استبدال العادات السلبية بأخرى أكثر فائدة، وبالتالي تحسين جودة حياتنا.
